“ما بتعرف خيرو لتجرّب غيرو”

هذه المقولة الشائعة في سورية وفي اللهجة السورية (“ما بتعرف خيرو لتجرّب غيرو”) تفيد بمعنى الندم والحسرة على شخص أو شيء قد فات ولم يعد متوفراً.

يبدو أن الإنسان بطبعه يجنح نحو التركيز على الأشياء السلبية التي تزعجة ويهمل الإيجابيات التي يعيش بها. ولعل هذا يتجلى أكثر ما يتجلى بالتشجيع المستمر على “حمد الله” مهما كان الحال سيئاً أو متعباً.

لطالما شهدنا أشخاصاً عظماء غادروا هذا العالم بفقر أو بحالة ازدراء أو احتقار، ثم، بعد زمن يطول أو يقصر تظهر عظمتهم، ويقدّر الأحياء من بعدهم آثارهم القيّمة، فيكرّموهم، ويمنحونهم الجوائز والدرجات المعنوية والميداليات بعد فوات الأوان بالنسبة لهؤلاء العظماء.

قد يبدو الشخص العظيم أثناء حياته وعطائه أشعثاً، أو كثير الغضب، أو سيء الرائحة أو الخلق، ولكن لا يلبث أن يصبح صاحب الآثار المبهرة والتاريخ الجميل بمجرد رحيله، حيث ينسى (أو يتناسى) الآخرون كل سلبياته بمجرد لم يعد موجوداً معهم في هذه الدنيا.

أولم يكن أولى بهذا العظيم الحصول على كل التقدير والاحترام والجاه عندما كان حيا ويمكنه الاستفادة من ذلك كله؟
لماذا نهمل الجمال والأناقة والإبداع عندما يكونوا متاحين ونأسف لفقدانهم بمجرد زوالهم؟

“It is never too late.” – فلنبدأ بإصلاح نظرتنا لمحيطنا وللعالم الذي نعيش به بدءاً من هذه اللحظة.
فلنر ولنقدّر الجمال في حياتنا والأشخاص العظماء بغض النظر ما إذا كنا نحبهم أم لا. فالحق هو الحق، ومن ارتكب أعمالاً جيدة وأبدع جمالاً فإنه يستحق التقدير الملائم لهذه الأعمال بغض النظر عن كل سلبياته الأخرى التي قد تكون بنظرنا سلبيات لمجرد كوننا نغار منه.

بالتأكيد لا أقصد أن كل السلبيات سببها الغيرة، ولكن هذه نقطة مهمة يجب أن ننتبه إليها عند تقييمنا لشخص ما بموجب طبعه أو تصرفاته.
ولكي يكن تقييمنا أقرب ما يكون إلى العدالة المطلقة (التي هي الله الذي نسعى لأن نكون مثله) علينا أن نتمرّن على تحرير الفكر ومنح قوة العقل والمنطق السيادة، وهذا كله يؤدي بالنتيجة إلى حياة أفضل وأكثر عدلاً لكل الناس.

هذه المقالة واحدة من سلسلة مقالات أكتبها بشكل سنوي موضوعها يدور في أفق انتهاء الحياة.